الفرق بين الجريمة والشروع في الجريمة في ضوء القانون المصري وأحكام محكمة النقض

أولاً: التمهيد

القانون الجنائي المصري يقوم على مبدأ أساسي مقرر في المادة الأولى من قانون العقوبات وهو أنه “لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون”، وهو ما يستوجب تحديد ماهية الجريمة وأركانها، والتمييز بينها وبين ما يُسمى بالشروع في ارتكابها.
ولأهمية هذا التمييز، أفرد المشرّع نصوصاً خاصة لتعريف الشروع وبيان العقوبة المقررة له، وهو ما انعكس في أحكام محكمة النقض التي أرست مبادئ مستقرة في هذا الشأن.


ثانياً: تعريف الجريمة التامة

الجريمة التامة في ضوء الفقه الجنائي المصري هي:

“كل فعل أو امتناع يأتيه الإنسان مخالفاً للقانون الجنائي، ويجرّمه نص عقابي، وتكتمل به جميع أركان الجريمة الثلاثة: الركن المادي، الركن المعنوي، والركن الشرعي.”

أركان الجريمة التامة:

  1. الركن المادي: وهو السلوك المجرّم متمثلاً في فعل أو امتناع، مقترناً بالنتيجة التي حرّمها القانون، وعلاقة السببية بينهما.
  2. الركن المعنوي: القصد الجنائي أو الخطأ غير العمدي حسب نوع الجريمة.
  3. الركن الشرعي: وجود نص قانوني سابق يجرّم الفعل.

🔹 مثال تطبيقي: من أطلق عياراً نارياً على آخر فأرداه قتيلاً، فقد تحققت النتيجة الإجرامية (الوفاة)، وبالتالي الجريمة تامة.


ثالثاً: تعريف الشروع في الجريمة

نصت المادة (45) من قانون العقوبات المصري على أن:

“الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها.”

شروط تحقق الشروع:

  • وجود نية إجرامية واضحة (قصد جنائي).
  • البدء فعلاً في تنفيذ الجريمة.
  • عدم تحقق النتيجة لأسباب خارجة عن إرادة الجاني.

🔹 مثال تطبيقي: إذا أطلق شخص الرصاص على آخر بقصد قتله، لكن الرصاصة أخطأت أو أُسعف المجني عليه في الوقت المناسب، فهذا شروع في جريمة قتل.


رابعاً: الفروق الجوهرية بين الجريمة والشروع

المعيارالجريمة التامةالشروع
تحقق النتيجةتتحقق النتيجة الإجراميةلا تتحقق النتيجة
الأركانالأركان الثلاثة مكتملةيكتمل الركن المادي جزئياً فقط
العقوبةالعقوبة كاملةعقوبة مخففة (وفق المادة 46)
الأثر العمليإدانة بالجريمة ذاتهاإدانة بالشروع فيها

خامساً: العقوبة المقررة للشروع

جاءت المادة (46) من قانون العقوبات لتنص على أن:

“يعاقب على الشروع في الجناية بعقوبة أقل من العقوبة المقررة للجريمة التامة بمقدار لا يتجاوز نصف الحد الأقصى لتلك العقوبة.”

أما في الجنح، فلا يُعاقب على الشروع إلا إذا ورد نص خاص يقرّر ذلك، عملاً بمبدأ الشرعية.


سادساً: الشروع الناقص والشروع التام

  • الشروع التام: يبدأ الجاني في تنفيذ جميع الأفعال المكونة للجريمة، لكن النتيجة لا تتحقق لسبب خارج عن إرادته.
  • الشروع الناقص: يشرع الجاني في ارتكاب الجريمة لكنه يوقف التنفيذ قبل إتمام الأفعال المكوّنة لها.

سابعاً: المبادئ القضائية لمحكمة النقض

أرست محكمة النقض المصرية مبادئ هامة، منها:

  • الطعن رقم 1890 لسنة 58 ق – جلسة 19/12/1988:

“الشروع يتحقق متى بدأ الجاني في تنفيذ الجريمة بقصد إتمامها، وأوقف التنفيذ أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادته فيها.”

  • الطعن رقم 355 لسنة 37 ق – جلسة 9/5/1967:

“تقدير ما إذا كان الفعل شروعاً أو جريمة تامة مسألة موضوعية تستقل بها محكمة الموضوع ما دام تقديرها سائغاً.”


ثامناً: الخاتمة

يتضح من نصوص القانون وأحكام القضاء أن التفرقة بين الجريمة التامة والشروع ليست مجرد تقسيم نظري، بل لها أثر جوهري في تحديد العقوبة، وفي وصف الفعل الإجرامي ذاته.
ولذلك، فإن المحامي الجنائي المتمرس يجب أن يكون على دراية دقيقة بالفارق بينهما، لاستعماله في الدفوع أو تقدير الموقف القانوني للموكل.

التعليقات معطلة.